التفسير الأقوم - ألا لعنة الله على الظالمين
.
و في تفسير العيّاشيّ : عليّ بن إبراهيم ، عن أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر عن قول اللَّه- عزّ و جلّ-: وَ مَنْ أَظْلَمُ- إلى قوله- يَبْغُونَها عِوَجاً.
قال: هم أربعة ملوك من قريش، يتبع بعضهم بعضا.
و الملوك الأربعة: الثّلاثة، و معاوية و تبعهم يزيد و بني أمية و بني مروان و بني العباس و غيرهم من الطغاة.
و فيه : يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، [يعني:] يصدّون عن طريق اللَّه، و هي الإمامة. يَبْغُونَها عِوَجاً صرفوها إلى غيره .
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ، أي: ما كانوا معجزين اللَّه في الدّنيا أن يعاقبهم.
وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ: يمنعونهم من العقاب، و لكنّه أخّر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون أشدّ و أدوم.
يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ: استئناف.
و قرأ ابن كثير و ابن عامر و يعقوب: «يضعّف» بالتّشديد.
ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ: لتصامّهم عن الحقّ و بغضهم له.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: ما قدروا أن يسمعوا بذكر أمير المؤمنين- عليه السّلام-.
وَ ما كانُوا يُبْصِرُونَ : لتعاميهم عن آيات اللَّه. و كأنّه العلّة لمضاعفة العذاب.
و قيل : هو بيان لما نفاه من ولاية الآلهة بقوله: وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ. فإنّ ما لا يسمع و لا يبصر لا يصلح للولاية. و قوله: يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ اعتراض.
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ: باشتراء عبادة الآلهة بعبادة اللَّه.
وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ : من الآلهة و شفاعتها. أو خسروا بما بدّلوا و ضاع عنهم ما حصلوا، فلم يبق لهم سوى الحسرة و النّدامة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : بطل الّذين دعوا غير مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .
لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ : لا أحد أبين و أكثر خسرانا منهم.
جاء في الكتاب الحكيم آيات كثيرة و عظيمة تحدثت عن الظلم، و ما جزاء الظالم و كيف ينتقم الله من الظالمين، وأنَّ الله -تعالى- قد نفى الظلم عن نفسه، هذا عدا عن الآيات التي تُبين حكم من ظلم نفسه من المؤمنين بمعصية اقترفها وما جزاؤه
لقد أرسل الله -تعالى- الأنبياء والرُّسل -عليهم السلام، لدعوة الناس إلى توحيده -عز وجل-، وإلى ترك ما يُشركون به، و لنهيهم عن الظلم و الجور و لنهيهم عن الظلم و جور و لدعوتهم إلى العمل الصالح و رعاية حقوق الآخرين و حفظ كرامتهم، فكانت الغايةُ الأساسية هي إخراج الناس من الظُلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فهذا كان همُّ جميع الأنبياء والرسل -عليهم السلام-.
والظلم لغة وضع الشيئ في غير موضعه يقال ظلم و ظلمه حقه فهو ظالم و ظلوم و العرف كل من أضر نفسه أو غيره من دون مؤمن (عذر شرعي) يقال له ظالم و بالجملة هو الخاطئ و العاصي و المتعدي حده و من ثم شاع في عرف المتشرعين بل مطلق إطلاقه على من يتعدى حدود الله . قال سبحانه: و من يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون و لهذا يصدق على كل من ليس بمعصوم، أنه ظالم و لو على نفسه بفعل الصغيرة. فإن العفو تفضل من الله سبحانه. ثم إن أقل مراتب الظلم حقيقة تعاطي الصغائر ثم أظلم منه من يتعاطي الكبائر أيضا فإنهما طالمان على أنفسهما أو المصدان إياها همة بذلك الخطأ الموجب للعقاب ثم أظلم منه من أضر عباد الله أيضا و هكذا إلى أن ينتهى إلى الكفر و الجور و أذية آل الرسول و الأئمة عليهم السلام و شيعتهم و أعظم الظلمة الأول و الثاني و و بنو أمية و قتلة الأئمة و أمثالهم و رأس الجميع الأولان فإنهما أساس الفتنة هذه الأمة و أذية الرسول إلى يوم القيامة كما هو ظاهر و لهذا يظهر من الأخبار كما مر أن المراد من الظلم في القرآن بحسب البطن ما صدر من أعادي أهل البيت من الظلم عليهم و شيعتهم فالظالمون هم أعدائهم خاصة و منه يستفاد أنهم و شيعتهم المظلومون و يظهر مما مر في "الرجز" تأوَّلُ كلمةُ الظالم في بعض المواضع بقتلة مولانا الإمام الحسين عليه السلام و يؤيده ما ورى في تفسير العياشي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : "فلا عدوان إلا على الظالمين" قال إلا على ذرية قتلة الحسين عليه السلام و في رواية أخرى لا يتعدى الله على أحد إلا على ولد قتلة الحسين عليه السلام .
و في هذا الخبر، إشكال بحسب المعنى. لأنّه إن أريد بالاعتداء الزّيادة في العذاب.
على قدر العمل، لا يجوز إسناده إلى اللّه- عزّ و جلّ. لأنّه عدل. لا يجوز. و إن أريد مجازاة العمل القبيح، لا يختصّ بذرّيّة قتلة الحسين- عليه السّلام. و أيضا الإشكال في مؤاخذة ذرّيّة قتلة الحسين- عليه السّلام- بأعمال آبائهم.
و يمكن أن يقال: المراد بالاعتداء، العذاب الغليظ المتجاوز عمّا يحيط به العقل.
و ذلك بسبب شدّة قبح أعمال آبائهم. و القبيح منهم الرّضا بفعال أسلافهم. و عدم اللّعن عليهم في ليلهم و نهارهم و قبيح عمل غيرهم ليس بهذه المثابة و إن كان ملحقا بهم و من جملتهم. فيحسن الاعتداء بهذا المعنى عليه، أيضا.
